lundi 28 juin 2010

بورقيبة و تاريخه الاسود

    
                                 انقلاب 1962
من أجل البحث في المسكوت عنه



 


تقديم
لا شك بأن التاريخ المعاصر لتونس لم تتم بلورته إلى الآن و ذلك لاحتكار الحزب الحاكم حزب التحرير للرؤية الأحادية للأحداث أما أولائك  الفاعلون في تلك الأحداث و الأزمات و المواقف إن لم يكونوا من صنف الشهداء أو المنفيين طوعا أو كرها فهم فضلوا السكوت إلى حين و لكن مع وقع الزمن الهادمة ضرباته بدأ يتناقص عدد الأطراف الذين  يملكون الحقيقة أو على الأقل وجهة النظر المغايرة للرواة الرسمية و من أهم تلك الأحداث حادثة انقلاب 1962 أو ما يطلق عليه "انقلاب الشرطي" .
في الحادثة
جدت أحداث هذه الأزمة في مطلع ديسمبر كانون الأول1962 لتونس لأول محاولة انقلابية في تاريخ تونس قد ذهب ضحيتها و للأسف الشديد أبناؤها لا غير لأن الحادثة قد أحبطت قبل الشروع فيها و هم  نخبة من الكفاءات المدنية العلمية و العسكرية النخبوية كانت تونس التي انفكت لتوها من رقبة الاستعمار لفي أشد الحاجة إليهم جميعا لبناء المؤسسات الوطنية التي مازالت تعج بالكادر الاستعماري  و لكن لظروف عصيبة و وجهات نظر تبناها هؤلاء النخبة لم يجدوا طريقا سوى السعي لإزاحة بورقيبة بالقوة فكان أن أزاحهم بورقيبة ليبقى وحده في الساحة و قد قدم لتوه في 1961 صالح يوسف الى الرياح.
الأسباب و الدوافع
انه لمن العسير تحديد الهداف الحقيقية التي جمعت نخبا من تيارات فكرية تشتت على التوحد تحت راية السلاح لتغيير هرم السلطة بالقوة و لكن لابد من ذكر أهم الأسباب المعلنة و التي تستغاب من السياق السياسي السابق لتلك الحادثة كي نفي ضفة "التجريم" التي أطلقت بهؤلاء الرجال  الذين كانوا قبيل الانقلاب يوصفون أينما حلوا بالبطولة أو يقدمون علميا أو يجلون عسكريا.
أهم الأسباب
1.     
 اغتيال الشهيد صالح بن يوسف في 11 أوت 1961 بمدينة فرنكفورت بألمانيا  و الذي شكل صدمة كبيرة لأنصاره داخل و خارج تونس و أسس لعهد جديد من تصفية الحسابات السياسية بالسلاح في بلد لابؤ من أهله بالقوة تاريخا و هم أقرب للسلم و الوداعة .
 
2.     
تفرد بورقيبة بالسلطة و تنكره للزيتونيين الذين كان لهم السبق في تأسيس الحزب على يدي المرحوم الشيخ الثعالبي ثم افتك منهم بورقيبة بدهائه كما افتك منهم شرعية النضال السياسي و ذهبت تضحيات "صوت الطالب الزيتوني" أدراج الرياح ليعلو صوت الديوان السياسي .
3.     
إصرار بورقيبة على تجريد المقاومة المسلحة من أسلحتها دون طرح بدائل لتلك الجموع التي ضحت بأعز ما تملك حتى أن لزهر الشرايطي قاد مظاهرة في 28 نوفمبر 1955 شارك فيها 200 مقاوم تطالب بحقوق المقاومين بعد المظاهرة التي قادها السياسي الأسود في أكتوبر 1955 و فيها 1000 مقاوم.
4.     
رفض بورقيبة التعاطي مع واقع المقاومين بل و سعى إلى إقصائهم و استغلال أمية أغلب هؤلاء ليوظفهم كشواش مثلا في المحاكم بل و لا يفتأ إلا و يحرض عليهم الجماهير ليثبت تفرد دوره النضالي فقد قال في أحد خطبه "هم أناس بسطاء استقر في أذهانهم أنهم هم  الذين رفعوا السلاح و حاربوا في الجبال إلى أن خرجت فرنسا و هكذا أصبحوا يحسبون أنهم هم الذين أسسوا الدولة و من ثم يجب أن تكون تحت تصرفهم و أن يكونوا هم الوزراء و السياسيون و السفراء و القادة و أن تسند إليهم رخص النقل و تمنح لهم الضيعات و امتيازات التصدير و التوريد... هكذا كانوا يتصورون الاستقلال و بما أنهم قاموا في الجبال و شكلوا ما يدعى جيش التحرير و ظهر فيهم القائد الأزهر و القائد ساسي و من لف لفهما فأنهم يجسمون هذه الدولة و أننا استثمرنا جهودهم و تبوأنا الكراسي و تخلينا عنهم ...
 هذه هي نفسية "الفلاقة" و لا أقول نفسية المقاومين و من حسن الحظ أنها لا تشمل جميعهم".
5.     
تفاقم الخلاف الحاد بين بورقيبة و الجناح الآخر للحزب الذي كان يتزعمه الأمين العام للحزب السيد صالح بن يوسف و تحول  هذا الخلاف الى حملة اعتقالات واسعة طالت اليوسفيين و أزاحت صالح بن يوف نفسه لا من الساحة السياسية بل من الحياة .
6.     
سقوط المقاومة في فخ معركة "الجلاء" عن بنزرت ليذهب ضحية تلك الفبركة السينمائية ما بين 5000 الى 6000 شهيد ليعلن بورقيبة لعالمين أنه كذلك مجاهد سلاح لا كلمة فقط كما بدأ يهمس الكثيرون و ليسحب الشرعية من القيادة الجهادية التي كلفت من جديد دون وعي لأعداد لمتطوعين "لحرب الجلاء " عن بنزرت ثم أبدت عن ساحة الحدث كي لتكسب شرعية جديدة هي ليست فحاجة إليها لكن بورقيبة في حاجة لتلك الشرعية فقد كلف الأزهر الشرايطي من الطيب المهيري كما كلف غيره لإعداد المتطوعين "لحرب الجلاء" عن بنزرت و بعدها أتم ما طلب منه أبعد الشرايطي الى قابس ثم رمادة .
7.     
الاعتداء السافر على الجامع الزيتونة و غلقة بتعلة توحيد النظام التعليمي و لم تجرأ قبل بورقيبة فرنسا على غلق الجامع رغم بروز حركة طلابية قوية بداخله أطلق عليها "صوت الطالب الزيتوني" كانت تناوئ المشروع الفرنسي للحل الذي يمثله بورقيبة و من لف لفه كان من أبرز مؤسسيها الشيخ عبد العزيز العكرمي القائد الفعلي للانقلاب .
8.     
سن قانون حل الأحباس الشريان الأساس للتعليم الشرعي و ظمه الى ممتلكات الدولة و التفويت فيه بعد ذلك بالمحاباة و بالولاء السياسي وقع سن هذا القانون يوم31 مارس 1956 أي بعد أحد عشر يوما من إعلان الاستقلال .
9.     
سن بورقيبة مجموعة من القوانين الاستثنائية ما بين 1957 و 1959 قدرت ب375 قانونا من بينها القانون 59 الذي يسمح بانتزاع الممتلكات .
في المسكوت عنه
المسكوت عنه في هذه الحركة الانقلابية كثير و متجدد و كلما توصلنا الى معلومات جديدة تشعر أنك أمام حدث غامض لا تكاد تمسك فيه بخيط حتى ينفلت منك آخر و من أهم المسكوت عنه
*اللقاء السري الذي جمع الشيخ عبد العزيز العكرمي العقل المدبر الفعلي للانقلاب و الرئيس بورقيبة لمحاولة استمالته للسلطة فما حقيقة هذا اللقاء الذي لم تحتويه أية وثيقة و لم يذكره أي من الذين قدموا شهادتهم لكن الشيخ علي الإصبعي (أبو تمام ) أحد تلامذة  الشيخ عبد العزيز العكرمي و الذي اعتقل بضعة أشهر على خلفية تلك الأحداث (في قابس) يؤكد كذلك سعي الشيخ العكرمي لتشكيل قائمة انتخابية وطنية مقابلة لقائمة الحزب الحاكم أي نواة حزب.
*ما حقيقة أن قائد جيش التحرير الوطني لزهر الشرايطي لم يكن يعلم بتفاصيل الانقلاب و لا يعتبر من قادته و أن بورقيبة استغل فرصة تورط الغالبية العظمى من أبناء مدينة قفصه المناصبة العداء لبورقيبة في المحاولة الانقلابية لتصفية الحسابات القديمة معها بدليل أن لزهر الشرايطي لم يكن من المعسكر الرافض لبورقيبة و نبين  ذلك في حينه و قد كان كذلك مقربا من وزير الداخلية و الذي منحه قصر الباي بحمام الأنف و سيارة.
*من كان صاحب الفكرة المحورية في الانقلاب
التيار الزيتوني العروبي (الإسلامي) المشيخي الذي له ثارات عديدة مع بورقيبة أقلها انقلابه على الحزب القديم الذي أسس الزواتنة و غلق جامع الزيتونة كما ألمعنا و حل مؤسسة الأحباس ليتشتت جمع الزواتنة بين القضاء و التعليم و المؤسسات المدينة و البطالة بعدما كانوا يحضون بمؤسسة قوية علميا و شرعيا و مستقلة ماديا و من أهم ممثلي هذا التيار داخل المجموعة الانقلابية الشيخين البارزين الشيخ عبد العزيز العكرمي و الشيخ الرحموني أم الحركة اليوسفية التي كان لها امتداد قوي داخل نفس الحزب و تدين بالولاء لصالح بن يوسف ب747 شعبة و كان لهذه الحركة امتداد مغاربي قوي لإيمان زعيمها صالح بن يوسف بالبعدين المغاربي و العربي بل و الإسلامي و كان إبراهيم طوبال أحد أقطاب الانقلاب و أحد رموز الحركة اليوسفية يتحرك منذ عهد الاستعمار مغاربيا بتنسيق كبير مع الجارتين و قد ذكر منصف الشابي في كتابه صالح بن يوسف حياة كفاح "يقول الزعيم المناضل ابراهيم طوبال أن شحنة كبيرة من الأسلحة حلت بمطار طرابلس يوم 18 سبتمبر 1954 قادمة من القاهرة و موجهة الى الحركة الوطنية بتونس و قد رافق هذه الشحنة من  مصر الى ليبيا العقيد صادق الملحق العسكري بالسفارة المصرية بطرابلس و كان في انتظارها عند الوصول عدد من الفدائيين التونسيين تم إيفادهم للغرض كما حضر من الجانب التونسي الأخوين إبراهيم طوبال باعتباره لجنة تحرير المغرب العربي و علي الزليطني موفود من الحزب الدستوري الجديد .
ابراهيم طوبال هو نفسه الذي نراه في محاولة 1962 صحبة المسطاردي بن سعيد يكلف من المجموعة الانقلابية بدعم تمرد قفصه الذي  سيقوده الشيخ العكرمي بمدد من المقاتلين يأتي به من الجزائر ثم بعد صدمة المركز بتمرد مدينة الرفض قفصه يقع الانقضاض على المركز نفسه أي تونس العاصمة و قتل بورقيبة .
إن هذا التيار فقد لتوه زعيمه  صالح بن يوسف في فرنكفورت و فقد العديد من قواعده في لعبة تحرير بنزرت و البقية أما مشتتة داخل الوطن تختفي من لعنة عيون لجان يقظة بورقيبة أو تبحث لها بالأساس عن لجوء في الجزائر .
أم هؤلاء العسكريين الذين توزعت انتماءاتهم على مختلف الطيف القومي و قد كان لبعضهم محاولات في التغيير بالقوة حتى خارج الوطن , إذ أن " عمر البنبلي"  نفسه ساهم في أحد الانقلابات العسكرية التي اشتهرت بها سوريا .
أم ذلك الكم الهائل من المقاومين الذين توزعت ولاءاتهم بين لزهر الشرايطي و الساسي الأسود و لم يجدوا لهم لا في الولاء البورقيبي نصيبا و هو الذي لا يفتأ يسخر منهم و يطلق عليهم لقب "الفلاقة" و هي لفظة قريبة من قاطع الطريق و لا في اليوسفية المعارضة ملجئا و مؤوى فرفضوا تسليم أسلحتهم ثم تورط البعض منهم في لعبة تحرير بنزرت ثم التجئوا مكرهين  الى العودة الى السلاح من جديد
لقد كانت تلك الفئة المؤمنة و الأمية في آن واحد لعبة شبه طيعة يحاول أكثر من طرف اللعب بها و توظيفها حسب أهدافه و سياساته في غضون شهر جانفي 1955 حسب الإقامة العامة اتصل القيادي الدستوري ووزير الدولة و المفاوض في حكومة الطاهر بن مار المنجي سليم بالأزهر الشريطي محاولا إقناعه بضرورة  تجميع مقاتليه و الصعود للجبل ثانية فرفض هذا الأخير رفضا قاطعا .كما يفيد نفس المصدر بأن القائد الآخر الساسي الأسود قد اعتذر هو أيضا.
قراءة في الأشخاص نظرة في الحدث
لا يمكن التطرق الى الحدث أو الى الأزمة دون النظر في كنه الأشخاص وذلك لأن أفكارهم هي التي جمعت حولها الرجال و بنت التنظيم و أعدت الخطط و نظرت للمستقبل و عليه فاننا سنحاول رسم جدولين بهما أهم الأسباب المدينة و العسكرية و سنحاول تتبع الأحداث من خلال الرجال
المذنبون
الجهة
الحكم
الصفة
الاسم واللقب
أصيل ولاية قفصه
الإعدام
أستاذ عربية بجامع الزيتونة المعمور
الشيخ عبد العزيز العكرمي
أصيل ولاية القصرين
الإعدام
خريج جامع الزيتونة أستاذ بالشعبة العصرية بمعهد ابن شرف
الشيخ أحمد الرحموني
أصيل ولاية قفصه
الإعدام
القائد العام لجيش التحريرالوطني
الأزهرالشرايطي
_______________
الإعدام في حالة الفرار
ناشط يوسفي لاجئ بالجزائر
المسطاري بن بو بكر بن سعيد
أصيل ولاية قفصه
الأشغال الشاقة المؤبدة
مساعد ثاني لقائد جيش التحرير
الساسي بو يحي
أصيل ولاية بنزرت
الأشغال الشاقة المؤبدة
مقاوم قديم
محمد صالح البراطلي
_______________
_______________
يشتغل بالقضاء قبل أن يقال ليمتهن الفلاحة بجهة الكاف
أحمد التيجاني
أصيل ولاية قفصه
10سنوات سجنا
مدرس خريج جامع الزيتونة
عز الدين الشريف
أصيل ولاية بنزرت
الإعدام
______________
الهادي القفصي
______________
الإعدام
_______________
الحبيب الحنبني
أصيل ولاية قفصه
الأشغال الشاقة20 سنة
شيخ تراب من قادة المقاومة
العربي العكرمي
_____________
الأشغال الشاقة20 سنة
_______________
علي كشك
    
                 القيادة العسكرية
الحكم
الصفة
الإسم و اللقب
الإعدام
خريج مدرسة سانسير العسكرية الفرنسية
محمد الحبيب بركية
الإعدام ثم  خفف إلى الأشغال الشاقة
  خريج مدرسة سانسير العسكرية الفرنسية
محمد قيزة
الإعدام ثم  خفف إلى الأشغال الشاقة
خريج مدرسة سانسير العسكرية الفرنسية
المنصف الماطري
الإعدام
ضابط سابق بالجيش المصري و الجيش السوري
عمر البنبلي
الإعدام
ضابط بالجيش الفرنسي أو حرس الباي على وجه التدقيق
عبد الصادق بن سعيد
الإعدام
نقيب مكلف بحراسة القصر الرئاسي
كبير المحرزي
الإعدام
ملازم مشرف على حامية قفصة
صالح الحشاني
التنفيذ:
وقع تنفيذ حكم الإعدام بتاريخ 24 جانفي 1963 مع استثناء المنصف الماطري و محمد قيزة اللذين أبدل الحكم في شأنهما إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
التوابع و الزوابع:
خلفت هذه المحاولة الفاشلة أزمة حادة داخل الشارع التونسي كان على إثرها قد أمسك الرئيس بورقيبة بزمام الحزب و الحكم في البلاد و وسع دائرة '' أكباش الفداء '' لتطال حل الحزب الشيوعي التونسي و الذي لم تكن له أية صلة بالمحاولة الانقلابية لا من بعيد و لا من قريب و القضاء النهائي على اليوسفية و سير البلد نحو حكم الحزب الواحد و الزعيم الواحد و شن بورقيبة حملة شرسة على الإسلام الذي كان يعاديه تقية خوفا من سطوة '' الزواتنة '' ليجاهر بإفطاره علنا في اجتماع اتحاد المعلمين العرب بالبلمريوم بالعاصمة تونس و نزوله إلى الشارع لنزع '' السفساري '' و التشجيع على ارتداء التنورة ( القصيرة ) و تركيزه للمشروع التعليمي الفرنكفوني الذي أرسى دعائمه المستعمر '' دوبياس '' و إخراجه تونس من الحضيرة العربية و اعتبارها أمة قائمة الذات على شاكلة '' الأمة الفرنسية '' و حارب الشخصية التونسية في بعدها العربي الإسلامي.
الأزهر الشريطي: قراءة في الرجل:
لن نستطيع التأريخ لشخصية بهذا المستوى في ورقات و لكن الذي يهمنا هو تقديمه بشكل قريب من الواقع يسمح لنا بقراءة دوره في هذه الحادثة التاريخية.
تؤكد السيدة محجوبة ابنة الأزهر الشريطي أن والدها ولد في 19 مارس 1919 بأولاد الشريط أحد عروش الهمامة من أرياف قفصة و الذي يهمنا في تفاصيل الرجل أنه كان أميا و كان عاملا منجميا في منجم المظيلة و قد تطوع الشريطي للجهاد في فلسطين سنة 1947 و كانت عودته بعد سنتين أي في أواخر 1949.
التحق سنة 1952 بالمقاومة المسلحة ضد المحتل الفرنسي و يبدو أن المحرض الأساس  له للالتحاق بالمقاومة هو المناضل الكبير أحمد التليلي و يذكر كذلك أن بورقيبة التقاه عند زيارته لقفصه في أواخر 1951 و كان قد لمع في تلك الفترة ثلاثة أسماء قيادية مقاومة هم الطاهر الأسود و الساسي الأسود و الأزهر الشريطي و لما عقد مؤتمر سمامة في ربيع 1954 انتخب الشريطي قائدا عاما للمقاومة و الطاهر الأسود مساعدا أولا للقائد العام و الساسي الأسود مساعدا ثانيا و بعد تاريخ حافل بالبطولات سلم الأزهر الشريطي و من معه سلاحهم يوم 8 ديسمبر 1954 بسيدي عيش على يدي أحمد التليلي و حسونة بن الطاهر عضوي '' لجنة الاتصال '' بجهة قفصة أما الساسي الأسود فقد رفض تسليم سلاحه (7).
الشريطي في ثوبه الجديد:
بعد الاستقلال صار هذا البطل الذي أقض مضاجع الاستعماريين رجلا وديعا من علية القوم يسكن قصرا من قصور الباي و يتمتع بسيارة و زوجتين إحداهما فيفيان السويسرية على عكس العديد من القادة الذين لم يحظوا بشيء من بورقيبة لشدة تحفظه من '' الفلاقة '' خوفا من ماضيهم المسلح.
الأزهر الشريطي الذي صرح قبل تسليم سلاحه لمبعوث جريدة '' الصباح '' سأقوم بأية مهنة كانت و سأعمل في المنجم كما كنت (8) هو الذي انتقل بقدرة قادر إلى قصر الباي في نفس الوقت الذي كان يطارد فيه رفقاء السلاح فكيف لهذا الرجل الذي كان يحظى برضى الحكم أن يكون على رأس انقلاب مغامر يفقده مكانته.
لعبة الولاء:
قد يكون من المؤلم أن نؤكد كما سبق و أكد القلة من الباحثين بأن الأزهر الشريطي قد دخل في لعبة البيع و الشراء رضاء عيشة رغيدة كان يستحقها أصلا دون التنكر لرفاق السلاح.
(7) في سيرة المقاوم الأزهر الشريطي لعميرة علية الصغير – مجلة روافد – عدد 11/2006
(8) جريدة الصباح 3/12/1954
فالأزهر الشريطي بطل فلسطين و ابن منجم المظيلة و بطل معارك جبال قفصة و القائد العام لجيش التحرير هو الأزهر نفسه الذي دخل في لعبة النفوذ بين شقي الحزب شق بورقيبة و شق صالح بن يوسف طبعا في صف بورقيبة رغم أن الرجل لم يكن بورقيبيا و لم يمتع بالحظوة بعد ذلك إلا من طرف وزير الداخلية الطيب المهيري الذي أعطاه القصر و ربما وضعه تحت العين كما يقال لأن القائد الذي يبيعك نفسه اليوم ربما يعرض يعرض نفسه للبيع مرة أخرى لغيرك و هل يحق لنا أن نسأل بكل حياء هل كان البطل الأزهر الشريطي يعرض نفسه للبيع لمن يدفع أكثر؟
لكن بعض القادة الآخرين كذلك لم ينأوا بأنفسهم عن الخلاف الحزبي و لم يتعالوا بقدسية الثورة فوق الحسابات الحزبية الضيقة فقد شهدنا كذلك التحاق قادة آخرين بمعسكر صالح بن يوسف من أمثال الطاهر الأسود و عبد الله البوعمراني و عمار بنّي و عبد اللطيف زهير فهل أخطأ هؤلاء جميعا من انضم منهم إلى هذا المعسكر أو ذاك ؟ لأن معركتهم ضد فرنسا لم تكن حزبية أبدا بل كان الحزب يحاول الاستفادة من ولائهم للوطن و من نضالاتهم لتحسين موقفه التفاوضي و كسب التأييد الشعبي فللأمانة التاريخية لم يكن هؤلاء حزبيون بالأساس و قد أفقدهم الحزب ما كسبوه بشرعية المقاومة.
في أتون الخطأ:
اجتهد بورقيبة العازم على القضاء على خصومه برنة السلاح في تجنيد ما أمكن من قادة المقاومة و الذين يسهل تجنيدهم ذاتيا و موضوعيا.
-       ذاتيا :
هم في أغلبهم أميون فقراء و يطمحون في نيل نصيب من '' الكعكة '' التي بدأت تقسم خاصة في الساحل و في تونس على من يستحق و من لا يستحق.
-       موضوعيا:
مازال هؤلاء يتمتعون بحس وطني قد يقودهم إلى حمل السلاح حتى ضد رفيق مسلح إذا اعتقدوا بأنه قد يلحق الهزيمة بالوطن من جراء آرائه أو طموحاته السياسية.
و قد أنشأ آليتين لمقاومة هؤلاء " الخارجين عن القانون" و الذين كانوا لوقت قريب أبطال.
أما الآلية الأولى و كانت تحت الحزب و هي ميليشيا مدينة تعرف ب" لجان الرعاية" متألفة خاصة من قدماء الفلاقة بل و من المتعاونين مع الاستعمار( القوادة) و الساعين لركوب التيار و من أبرز قادتها الساسي لسود و المصباح الجربوع و الساسي بو يحي أما الآلية الثانية فتعرف ب(المخزن المتجول الإضافي) .وكان تحت إشراف وزارة الداخلية و قد التحق به قادة كبار من المقاومة أمثال المحجوب بن علي و الأزهر الشريطي في الرجل.
السؤال الملح الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو كيف تورط الأزهر الشريطي في محاولة انقلابية يبدو للوهلة الأولى بأنه لا ناقة له فيها و لا جمل.
إن الرجل قد نال من الحظوة أكثر مما نال غيره من قادة المقاومة بل لعله لم يكن يطمح في تلك المكانة بما يعلم من أمته و فقره بل إن الرجل تورط في ولائه للصف اليورقيبي بأن رفع السلاح ضد رفاق السلاح فهل يعقل أن تجمعه محاولة انقلابية لا يخفى النفس اليوسفي عليها  و لم يكن الرجل يوسفيا بل لعله يعتبر عدوا لليوسفيين  و النفس الزيتوني و لم يكن الرجل زيتونيا و الطموح العسكري و كان الرجل مدنيا بامتياز بل و من الطبقة الكادحة و التحاقه بالمقاومة كغيره من أحرار قفصه لم تصبغ عليه صفة المتفرغ الدائم للقتال بل  شهدنا أنه كان من السباقين لتسليم سلاحه معربا عن استعداده للعودة إلى العمل في المنجم .هل سقط الأزهر فعلا في لعبة اليوسفيين الذين انتقموا منه بأن ورطوه في معركة لا تعنيه و قد صرح في المحاكمة بأنه غرر به.
أم أن الأزهر الشريطي دفع ثمن اغترابه من بورقيبة الذي  اكتوى بنيرانه العديد من الشخصيات لأقلها رفيق النضال الأمين العام للحرب المرحوم صالح يوسف فبورقيبة الذي دفع الشريطي الى مقاتلة اليوسفيين رفاق السلاح و لم يكن الأزهر يعاديهم .هل هو نفسه بورقيبة الذي صنع من الأزهر الشريطي بطل انقلاب 1962 دون علم منه أو أنه كان يعلم و اليوم يحق لنا أن نطرح ما كان يعلم و قد حدثني الشيخ الأصبعي (أبو تمام)  بأن الأزهر لم يكن يعلم شيئا أسفت ورطة بورقيبة بقدرة قادر ليتخلص منه ففي نفس ( المغامرة ) تشعر و تدرك و توقن بأن المستفيد الوحيد من لحادثة ككل بورقيبة.
ففي المحاكمة تخلص بورقيبة من باقي "الفلاقة" و من بقايا قادة التيار اليوسفي و من بقايا قيادات الزيتونة و من نخبة غير موالية من العسكريين .
فهل يمكن أن تشعر أن الأزهر بالأساس كان ضحية مؤامرة أطاحت برأسه ليفقد نصاعة البطل المقاوم و تورط في قتال رفاق السلاح و نصاعة التونسي الغيور و قد تورط في الانقلاب على الشرعية التي كان يملها الزعيم الأكبر الرئيس بورقيبة.
الثأر
لا أدري كيف أهمل العديد من الباحثين و المختصين في البحث ما يمكن أن تخلفه هذه الأزمة من أزمات أخر أو بوادر انتفاضات إذ لما سلمنا بأنها حركة واعية و مرشدة إلا أنها لم يكتب لها النجاح فلا بد أن يبقى بعض من لهيبها تحت الرماد حتى يتسنى له الثوران.
قفصه مدينة الثورات الفاشلة
عودتنا مدينة قفصه تلك المدينة التي مدت البلد الخارج لتوه من رقبة الاستعمار بالفسفاط العصب الرئيس للاقتصاد في تونس غير أن تلك الثروات يقع استثمارها بالساحل و الشمال و تونس العاصمة لتبقى المدينة رهينة الموت في أنفاق الفسفاط "الداموس" و رهينة الفقر و الخصاصة و ضعف البنية التحتية .
  
عودتنا قفصه على رفضها و قد جرحتها تجربة 1962 في الصميم اذ فتحت قفصه بيوت عزاء في شتى أرجاء الولاية و هي تودع نخبها على المشانق .
يروي كبار السن و الذين عايشوا تلك المحنة و منهم أمي أن النساء خرجن في مواكب "نواح و نديب" على أثر صدمتهن بفقدانهن خيرة نخبة الولاية و على الخصوص الشيخ عبد العزيز العكرمي الذي كان يتمتع بشخصية كاريزمية فهو الذي يلجأ إليه في حالة الخلافات بين مختلف "العروش" و مازال كبار السن يذكرون أنه صفع "القايد" لسوء تصرفه في قسمة ماء عين (ترتش) من وادي بياش بقفصه مما كاد يتسبب في قتال بين (القفاصة) و (القصارة) .
إني في أد الغرابة كيف لم يربط الباحثون بين ما يسمى (عملية قفصه المسلحة لسنة 1980 ) و (انقلاب 1962 ) إن اطلاعك على قائمة قادة عملية قفصه 1980 نتفاجأ بأن القائد السياسي (للكومندوس) كما كان يسمى هو نفسه ذاك الشاب الذي حوكم ب10 سنوات أشغال شاقة و أتمها يوما بيوم مقيدا بسلسلة طولها 80صم مشدودة الى الحائط دون أن يسمح له و لزملائه بالانتقال حتى أتموا العقوبة انه أحد انقلابيي 1962 انه خريج جامع الزيتونة رجل التعليم المرحوم عز الدين الشريف و لم يكن وحده منة مجموعة 1962 و صهر الشيخ عبد العزيز العكرمي الرجل الأول و المخطط الفعلي لانقلاب 1962 .
إن قادة 1980 اجتمعوا مع الشيخ  العربي العكرمي في بيته في حي المحطة بقصر قفصه ليلة المحاولة الفاشلة ربما لنيل الشرعية أو لتأكيد الولاء لمشروع 1962 ربما ...ربما.
أسئلة الحرجة
بعدما قدمنا من تسلل دقيق للأحداث يحق لنا أن نطرح الأسئلة التالية
-ماهي الدوافع السياسية لحركة انقلاب 1962 .
-هل كانت تونس 1962 مؤهلة لحركة تغييرية للفصل بين التيار البورقيبي و التيار اليوسفي و بين التيار البورقيبي و التيار الزيتوني .
-هل كان بورقيبة في حاجة لذريعة لتصفية الأزهر الشريطي قائد جيش التحرير و حل للأحزاب و انتخابه رئيسا مدى الحياة و تنفيذ المشروع الفرنكفوني في تونس.
-هل حقا استطاعت حركة 1962 أن تجمع ما تشتت من عناصرها و تعيد بناء تنظيمها لتبرز في صورة جديدة و لكن كانت في 1980 أقرب إلى النجاح لولا تدخل قوات ال(j.j.n (الفرنسية و طائرات الميراج.
هل حقا أراد الوزير الأول الراحل الهادي نويرة قصف مدينة قفصه بالكامل أو لولا تمرد الجنرال (القفصي) الطاهر بن يحي و الذي هدد بدوره بقصف مدن أخرى بسلاح المدية إذا قصفت قفصه.
-       لماذا تعود قفصه من جديد لواجهة الأحداث الثورية و هل يمكن أن نطلق عليها مدينة الثورات الفاشلة فمنها سطا "أولاد عبد الكريم" على جباية الباي و قسموها بينهم و فيها انطلقت الشرارة الأولى للكفاح المسلح و فيها خطط و دبر لانقلاب 1962 و هاهي تعيد الكرة أو يعيد أحد أبناءها الكرة ليسيطر على كامل المدينة و يهزم الجيش التونسي بنفر قليل من النخبة الثورية التي تدربت في ليبيا و قاتلت في تشاد و جنوب لبنان و صحبة البوليساريو.
-       الثوب الجديد
كنا قد أمعنا إلى أن السيد عز الدين الشريف قد هاجر إلى ليبيا اثر إتمامه فترة محكوميته و التي كانت ملجأ للثورات من شتى الاتجاهات .
برز نجم الشريف في ليبيا حتى كلف بعمليات في تشاد و جنوب لبنان و شارك في القتال صحبة البوليساريو حيث سمحت له تلك التجربة في ربط علاقة متينة مع المخابرات الجزائرية التي كانت لها يد في محاولة انقلاب 1962.
 تشكلت المجموعة التي تظم حوالي 60 فردا في ليبيا و استطاعت أن تظم إلى صفوف نخبة مقاتلة أثبتت مهارات قتالية جد عالية إبان احتلالها لمدينة قفصه أمثال القائد العسكري أحمد المزغني و هو من مواليد جرجيس بالجنوب التونسي سنة 1941 تلقى تعليما ابتدائيا فقط ثم هاجر الى الجزائر سنة 1962 ثم الى ليبيا سنة 1971 قصد العمل و هناك وقع استقطابه سياسيا لينتمي الى الجبهة القومية  لقوى التقدمية التونسية و قد كلف في أول اختبار له بتفجير مقر الحزب الحاكم في تونس و المركز الثقافي الأمريكي و ذلك في شهر جوان من سنة 1972 و قد ألقي عليه القبض قبل تنفيذ العملية و حكم عليه بخمس سنوات سجنا ثم عاد الى ليبيا ليلتحق بالجبهة من جديد ليسافر بعدها في مهمة الى لبنان و البوليساريو ثم ليظهر كقائد عسكري لعملية قفصه 1980 .
قفصه من جديد
يحق لنا أن نسأل الآن لماذا اختار بقية قادة 1962 قفصه كمنطلق لعملياتهم العسكرية التغييرية للمرة الثانية فقد حذفها اختصار تفاصيل خطة 1962 لنذكر الآن بأنها كانت ستنطلق بتمرد مدينة فقصه الذي كان سيقوده الشيخ عبد العزيز العكرمي لعدة أيام ثم يأتيهم الدعم من الجزائر ليقع إرباك المركز (تونس العاصمة) لينقص بقية المدنيين و العسكريين الذين جاؤوا من أقصى الجنوب على قصر قرطاج .
في 1980 يتغير التكتيك كثيرا إذ أن التمرد كان سيبدأ بثورة مسلحة من بعض أبناء الجبهة نفسها و غيرهم و من لهم سبق في النضال ضد فرنسا أمثال الشيخ العربي العكرمي صاحب الشرعية النضالية الكبيرة و عز الدين الشريف أحد بقايا انقلاب 1962 و دعوة السكان لحمل السلاح من خلال مكبرات صوت المآذن ثم يأتي الدعم من ليبيا عبر الجزائر لينتفض "الفلاقة" الغاضبين تاريخيا على بورقيبة و يحملوا السلاح و بعد ذلك يتم الزحف نحو العاصمة و لكن هذا المخطط قد سقط في الماء الاعتبارات التالية و التي لم تشر لها أية دراسة أخرى .
الفشل               
لا يمكن لأي ثائر تربى في المهجر لسنوات على حلم الثورة و هو مفارق لأرض الواقع و الحراك السياسي و النقابي و الثقافي أن يراهن لا على النخبوي الذي من الصعب إقناعه في ظل هجمة بوليسية شرسة متحكمة حتى في عقول الناس و أحلامهم ببرنامج سياسي قد يراهن إلا على الخبزة و قد صنعت منه فلسفة بورقيبة حول قدسية لقمة العيش و التي كان يطلق عليها "الخبزيسة" مواطنا كسولا و ليس بطموح يحاول أن يراهن على الموجود و الذي يمنحه نصف رغيف خوفا من المراهنة على قادم جديد يعده برغيف كامل فلا هو قد تحصل على الرغيف الكامل و لا حافظ على الربع الذي لا يكفيه و قد رأيناه (القفصي ) على وجه الخصوص و الذي كان يمر قرب (البازوكا) و (الكلاشينكوف) المرمية في شوارع قفصه و لا يلقي لها بالا يشعل قفصه و الأخضر و اليابس و يقدم الشهداء لما تجرأ بورقيبة و رفع ثمن الخبزة الى 270 مليما و كان أن رضخ بورقيبة لثورة التونسي المستضعف و الذي لم تقدمه الأحزاب و لا المنضمات و لا النقابات و كان التونسي المستضعف هو الصانع لثورة الخبزة و المنتصر و قد تغيبت كل القيادات و كل التيارات بدون استثناء.
ليست المرة الأولى التي يراهن الخط الرافض لبورقيبة فيها على قفصه و ليست المرة الأخيرة و ليست المرة الأولى التي تخذل فيها قفصة من راهن عليها و ليست المرة الأخيرة و لكن هل يحق لنا أن نسأل لماذا يحمل كل هؤلاء قفصة أكثر مما تحتمل لماذا صنع هؤلاء من قفصة مهدا للثورات الفاشلة
 
 
                                              أبو الشهيد التونسي
                                                  قفصه مهد الثورات الفاشلة
                                                        
2008





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire